ملتقي الإبداع الادبي ودراسات التنمية السوداني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ملتقي الإبداع الادبي ودراسات التنمية السوداني

هذا المنتدي خاص بنشر كافة أنواع الكتابة الأدبية ودراسات ونظريات الإتصال والتنمية

المواضيع الأخيرة

» الإتصال وثقافة السلام
نشارة الخشب - قصة قصيرة Emptyالإثنين مارس 16, 2009 8:28 pm من طرف Admin

» نشارة الخشب - قصة قصيرة
نشارة الخشب - قصة قصيرة Emptyالإثنين مارس 16, 2009 3:36 am من طرف Admin

» تشكيل
نشارة الخشب - قصة قصيرة Emptyالأحد مارس 15, 2009 8:06 pm من طرف Admin

» خصائص الإذاعة.
نشارة الخشب - قصة قصيرة Emptyالأحد مارس 15, 2009 6:30 am من طرف Admin

التبادل الاعلاني


    نشارة الخشب - قصة قصيرة

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد الرسائل : 5
    تاريخ التسجيل : 14/03/2009

    نشارة الخشب - قصة قصيرة Empty نشارة الخشب - قصة قصيرة

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين مارس 16, 2009 3:36 am

    نشارة الخشب - قصة قصيرة

    حافظت حرارة طقس ذلك اليوم في إرتفاعها منذ وقت الظهيرة إلي هذا الوقت المتأخر من النهار، حتي حين بدأت الشمس تلهث وراء أفق المغيب وقد صارت مثل صفار بيضة ضخمة لطائر أسطوري وضعت علي طوة السماء، وكانت أشعتها المصممة علي تلك المعركة، تتسرب بقسوة كإبر صينية متجاوزة سقف ورشة الأسطى إبراهيم المصنوع من بقايا أخشاب متراصة لتنغرس في جسد أرضية الورشة المفروشة ببقايا نشارة خشبية رافضة إعطاء مساحة لنسمة عابرة تلطف المكان.
    جلس إبراهيم علي منضدة قصيرة قرب احدي طاولات العمل وسط ذلك اللهيب و الهدوء القلق ، ماسحا بإصبع من يده، بعض من حبات عرق تجمعت علي جبينه بفعل تلك الحرارة، ، كان عليه في هذا اليوم أن يتخذ قرارا حاسما بشأن الورشة، فقد مر خلال الستة أشهر الماضية بظروف غاية في التعقيد، أملت عليه الانتظار في هذا الجو المختنق بروائح الزيوت النفاذة المنبعثة من ما كينات تقطيع وتوضيب الموبيليات التي اعتاد عليها، فقد وعده السيد علي الزبير - - أكبر تجار المدينة المشهود لهم بالجشع "الواعي" - بالقدوم في هذا اليوم لمعاينة الورشة تمهيدا لشرائها منه، كان ينتظر قدومه منذ أربعة ساعات ، ولكن، لا شئ يتحرك البته، ولم يعد يسمع حتي وقع اقدام تمر ولا إصطكاك عربات الكارو التي تجرها حمير محبطة وهي رائحة غادية كالمعتاد بالقرب من ورشته، و حين لم تصدر طيور (الجقجاق) التي تعودت علي الزقزقة في مثل هذا الوقت بأصواتها المزعجة إيذانا بقدوم الليل، فكًر للحظة بأن الزمن قد توقف تماما بالخارج.
    نهض متأملا صف الماكينات التي تراصت بإنتظام في الورشة الواسعة كجنود تستعد للقتال، ثم تحرك بخطوات متثاقلة ووقف أمام ما كينة تقطيع الخشب التي أسماها (البتول) تيمنا بإسم آخر بناته وهو يتحسسها ويربت عليها بيده، فهو قد اعتاد أن يعطي كل ما كينة اسم واحدة من بناته السبع، فالماكينة الكبيرة التي تقوم بنشر الألواح أطلق عليها اسم (ميمونة) بنته الكبيرة، وبقية الماكينات اعطاها اسماء (زينب) و (امنه) ثم (علوية) ، (فاطمة) ثم (الرخا) و (البتول)، فهو لم يكن نادما لعدم رزقه بولد، ولكنه يشعر بسعادة غامرة وفرح لا يحده حدود علي العكس من زوجته التي كانت تتمني أن ترزق ولدا في واحدة من ولاداتها السبعة تلك، فإبراهيم يرد البركة والسعة في الرزق التي حظي بهما تاتي مع البنت وليس مع الولد. وفي كل خير تقول زوجته بإيطمئنان عميق، ولكن شعر وهو يتحسس تلك الماكينة بيده ويربت عليها، أن الأمر لم يجري وفق ما كان يعتقده ويأمل فيه، فهاهي البتول أصغر بناته، هي آخر الواصلين للعيش معه مرة اخري في المنزل بعد أن اصرت علي الطلاق من زوجها مثل بقية أخواتها الستة جميعا، حدث الطلاق الأخير، في ظل ظرف كان دقيقا للغاية، فقد كسدت عنده تجارة الموبيليا التي إزدهرت لديه طوال العشرين سنة الماضية، حيث كان الناس تقبل علي شراء خزانات الملابس، المناضد، السراير وغيرها من الأثاث الذي برع في صناعته وتجويده بمختلف أنواع الخشب، وفاقت شهرته تلك مدينته الصغيرة لتصل المدن الأخري، فكان سكان العاصمة وخاصة العرسان الجدد يتسابقون للحصول علي أثاثاته الفاخرة تلك، ساعده علي ذلك، دقته في مواعيد تسليم المطلوبات متقدمة علي الميعاد المتفق عليه، و جعلت الزبائن – في بعض الأحيان - يدفعون له زيادة علي المبلغ المتفق عليه تقديرا منهم علي أمانته وإلتزامه.
    الكارثة المالية التي خلقت ظرفهم الجديد منذ أكثر من ستة اشهر، والتي صاحبت طلاق بناته السبعة، عزتها زوجته الحاجة (هداية) علي أنها ل " عين واصابتهم " بلا أدني جدال من من أسمته (المبدل سليل البعاعيت) وقد اسرت لبنتها (ميمونة) أكبر بناتها بإسم هذا البعاتي العائن دون مواربة:
    - فرحات
    - فرحات ود العاجبة ؟؟ يا امي دا في حالو ومسكين ما عندو غير لسانو.
    - في حالو ومسكين ما عندو غير لسانو؟؟ ما دي المصيبة قالت الأم مستنكرة، ثم أضافت، والله كان في حالو ما بعرف، ثم قالت بمرجعية غير متأكدة من صحتها: سيدنا الشيخ فرح ود تكتوك قال "لسانك حصانك، كان صنتو صانك وكان هنتو هانك" سمعتو – وحات الله – بي أضاني دي البكرة بتموت و بياكلا الدود وهو بتكلم فيكن في راكوبة ناس سعاد بت خولة.
    - إتكلم يقول شنو يمة كان ما ساي، ما كل الناس بتتكلم في زول بحمي الناس الكلام.
    - أنا كاتلاني الصيدة، والعرجونة، ست الوجن، وأم ديس، وقمر السبوع، قدم الحمام ،وفرع المحلب، أها خليني أنا المطرطشة دي، فسري لي إنتي الواعية دي معني كلامو دا!
    - الكلام دا طول ونحن ديل كلنا سمعناه، ثم تانيا دا علاقتو شنو بي حالنا هسع دي؟
    - داكي الليلة ما وقف قدام الورشة حقتنا وقال: يا اخوانا الورشة دي أصلها شنو؟ الواطة كملت من خشب الدنيا وهي لسع بتفرم، والله لمن اجي ماشي جنبها واسمع صوت المناشير التقول جاهل (بقرقشلو) في حلاوة (دربس) طوالي شغالة متل الجمل البصقعلو في (جرة)، هه، تقولي لي نحن ديل ؟ إنتن الغبيانات السجمانات بتعرفن حاجة؟ ماتراكن ما شات ساي، الله يعلم غنم الله في بلاد الله.
    وللحقيقة، فإن بنات الأسطي إبراهيم، إشتهرن جميعهن بجمالهن القاطع الممزوج بنوع من اللامبالاة تصل حد (العوارة)، كن في غاية الجمال والأنوثة، كل واحدة فيهن اجمل من الأخريات، ويرتبك في حضرتهن اي تعريف وصفي لجمال المرأة الشئ الذي اربك فرحات ود العاجبة نفسه، ونسبة لأنهن جميعا قد تزوجن في سن مبكرة فإن حظهن من التعليم ، كان قليلا، ما عدا بنتهم الكبري ميمونة التي نالت قسطا من التعليم حتي المدرسة الثانوية حينما تزوجها مدير المدرسة فوق زوجته الأولي وهي بالصف الأول، وتطلقت منه بعد سنتين من زواجها بعد أن أنجبت منه بنتا واحدة، وتبعنها بقية أخواتها مفضلين الأنفصال عن ازواجهن الواحدة تلو الأخري رافضين الرجوع لتلك الحياة البائسة كما أدعين، ولم يعطي احدا تفسيرا مقنعا لتلك النكبة غير الحاجة (هداية) نفسها ربة هذه الأسرة، والتي اهتدت اخيرا لطريقة تطرد بها هذا الشر الذي هجم فجاة مزعزعا إستقرارهم و سعادتهم ، تلك السعادة التي كان يخيل لكل من بالمنزل أنها ربما كانت أبدية! ولذلك وقعت الحاجة هداية، ضحية لخزعبلات دجلة و مشعوذين ومدعين شياخة أتت علي باقي مدخرات الاسرة، ثم طلبت من زوجها الأسطي إبراهيم بعد أن باعت كل ذهبها و نفذ ما معهم من أموال، طلبت منه تسليمها عشرين مليونا إضافية لمواجهة نفقات العلاج كما أسمته، ذاكرة له بأنها تحتاج لهذا المبلغ حلا لأكمال المراحل الأخيرة التي تبقت من العلاج كما وعدها الشيخ "كوكو الناير" وقد كررت - مذكرة له - ما تعتقد أنه سبب الكوارث التي ألمت بهم:
    - طالما أن فرحات ود العاجبة دا( بي عينو الحارة) حي يرزق في الدنيا دي ،والله تاني بيتنا دا ما تقوم ليهو قايمة، ثم أضافت، الله يكتلك ويريحنا منك يا قشرات ود القاشرة، القبيح المخوذق المبدل المابشبه الجنيات.
    ولكن الاسطي إبراهيم، كان له راي آخر مخالف ، فبالإضافة إلي أنه لا يملك حتي حق (الرغيف) وغير مقتنع بالمرة فيما تعتقد زوجته فيه أنه سبب هذا الشقاء والمشكلة الواجبة الحل، فقد فاتح زوجته بقناعاته وفكرته حول الموضوع برمته:
    - يا هداية، أنا ما حصل رفضت ليك طلب، لا منك ولا من البنات، ولا حصل أتعزرت ليك بعذر ولا قلت ليك ما عندي حتي وإن كان طلباتكم دي ما مقتنع بيها، لكن براك شايفة الحال، الورشة واقفة، والقروش كلها شالوها (الفقراء) ما فضل لينا حق الرغيف أجيب العشرين مليون من وين؟؟؟
    - نان دايرنا نخلي المسنوح دا يسرح ويمرح ويبرطع فينا ذي ما داير بي عينو دي ومالنا يروح ساكت كدا قدام عيونا شمار في مرقة ونحن نعاين؟ كان الشي دا أنا نعلت إبليس وقمت فوق راسو من زمان ما كان الحصل دا كلو حصل
    - يا هداية المشكلة هي ما فرحات ولا غيرو، المشكلة مختلفة من البتقولي فيهو دا.
    - يعني بعد تعبي دا كلو، داير في النهاية تقول لي إنتي تعبانة في الفاضي؟ أسمع يا ابو ميمونة أنا الموضوع دا ما بخلي أبدا، ما بخلي كان إنطبقت السما علي الواطة، وكان شايف أنت سببا تاني قولوا لي أنا دي هداية بت التوم ود قسم الله، القاعدة معاك تلاتين سنة، وقاعدة قدامك هسع وشايفني بي عيونك الإتنين، إنت ما بهمك شئ لكن، بهمني أنا، الشايفة بيوت بناتي إنخربن بيت بيت
    قالت ذلك وهو يري لأول مرة دموعها تتساقط بغزاره من عيناها الواسعتان، علي وجهها الذي يحسب من يراه أنها بنت عشرين، ثم دست وجهها خلف ثوبها وانكفأت تبكي وتنتخج بمرارة وأسي زمنا طويلا في تلك الليلة الحالكة السواد، وقد أعرض عن ذلك و أحتفظ لنفسه بما كان يود قوله من كلام وشرح مرتب، تدفعه لا مبالاته واختصاره للجدال والإستنباطات المرهقة التي أورثها لبناته، وإن فعل ذلك فهو علي يقين بأنه لا فائدة مع زوجته التي تعودت أن يرد عليها دائما بالإيجاب، كان يريد أن يقول لها أن لا احد له يد في ذلك، لا فرحات ولا غيره، أراد أن يقول أنه هو السبب في كل ما حدث! ثم كان سيشرح لها كيف أنه لم يقم بتغيير وإحلال ماكينات جديدة بدلا عن ماكينات الورشة القديمة التي تجاوزت عمرها الإفتراضي فصارت بطيئة لم تفلح معها الصيانات التي أنفق عليها مالا كثيرا فاق ثلاثة ارباع الإيرادات، رغم أنه كان يملك المال الكافي لفعل ذلك، هو لم يجدد طريقته ولا اسلوبه في صناعة الأثاث لكي تتماشي مع الجديد المبتكر الذي غزا الأسواق، فتحول الزبائن منه لجهات اخري، حتي عماله تركوا العمل عنده تباعا، هو السبب فيما حدث لبناته نتيجة لدلاله المفرط ولينه الزائد معهن، كان يشجعهن علي عدم الخضوع لأحد ابدا حتي وإن كانوا أزواجهن، ولكن مشهد زوجته المنتحبة وسط هذا الليل فرض عليه إطارا من التعاطف أسكت عنده هذا البوح و أكتفي فقط بضمها إليه وهو يطمئنها بأنه لن يرد لها طلبا ولن يكسفها أبدا حتي ولو كان الثمن عمره و خسر كل شئ بعدها.
    وفي هذا اليوم الشديد الحر قبل أن يتحرك من قرب (البتول) ، شعر أن أوان التغيير قد ولي إلي غير رجعة بعد أن طرق السيد علي الزبير باب الورشة بخاتمه الضخم حول إصبعه، تسبقه رائحة عطره النفاذ.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 8:10 pm